محمد كمال نوبـــــــــــــــى صميـــــــــم
عدد الرسائل : 578 رقم العضوية : 37 تاريخ التسجيل : 25/04/2008
| موضوع: المجتمع النوبى 2 ( المصرى اليوم ) الأربعاء 11 فبراير 2009 - 0:12 | |
| النوبة.. قرن من المرارة (الحلقة الثانية) السد العالى.. مشروع يعمر مصر.. ويغرق النوبة ويطرد أهلها 4/2/2009 جانب من محطة توليد الكهرباء بالسد العالى هو المشروع القومى، رمز الانتصار على الاستعمار، شعار الإرادة المصرية فى التنفيذ، ولكنه فى عيون عدد من أهالى النوبة، مشتت الأهل، ومفرق الجماعة والصحبة، وسبب البعد عن الأرض والطين، وبخاصة من استوطن منهم قرى الحكومة البعيدة عن النيل ونسيمه، ومياهه الجارية منذ آلاف السنين. هو السد العالى الذى تأممت القناة من أجل عيونه، وتعرضت مصر بعدها للعدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦، فى اعتداء خرجنا نردد منه أننا انتصرنا سياسياً وهُزمنا عسكرياً. وأياً كانت الآراء يبقى السد كما قال عمى وعمك صلاح جاهين: »حكاية شعب«.
»أيها الإخوة لا يسعنى أن أبدأ هذا الحديث من هذا الموقع، فى هذه المناسبة، إلا بذكر إنسان عظيم، كان له الفضل الأول والأكبر، فى بلوغ الهدف وتحقيق الحلم، إن جمال عبدالناصر وسد أسوان العالى كلاهما رمز عظيم. الأول، جمال عبدالناصر، رمز للأمة، والثانى، السد العالى، رمز لطاقة هذه الأمة.
ولقد امتزج كلاهما بالآخر، إلى درجة يمكن أن نقول معها إن السد العالى يستطيع أن يحكى كل جوانب القصة الهائلة، لعمل ودور جمال عبدالناصر. كما أن دور وعمل جمال عبدالناصر يمكن أن يروى كله بالقصة الهائلة للسد العالى«.
كان هذا بعضاً من كلمات الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عند افتتاح السد العالى الذى وافق ١٥ يناير عام ١٩٧١، بعد سنوات من العمل المتواصل للانتهاء من ذلك البناء، الذى مثل تحدياً سياسياً لمصر منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه.
كان البكاء على الماء الضائع فى البحر، والخوف من الجفاف الذى يهدد كل دول حوض النيل، وعجز الخزانات القائمة عن الحفاظ على ذلك التبر السارى بين الشطين، دافعاً للتفكير فى تنفيذ مشروع السد، إذ لم يكن فى الإمكان الاعتماد على التخزين السنوى، كوسيلة لضبط مياه النيل، الذى كان إيراده يختلف من عام إلى آخر، فقد يصل فى عام ١٥١ مليار متر مكعب من المياه، وقد يهبط فى العام التالى إلى ٤٢ مليار متر مكعب، وهو ما يعنى تعرض الأراضى الزراعية للبوار، فى السنوات التى يتراجع فيها منسوب النيل،
لذا جاء التفكير فى إنشاء السد العالى، الذى كان فكرة تم طرحها وتأجيلها أكثر من مرة، فالمشروع ضخم، وبحاجة إلى تمويل لا يقل عن مليار ونصف المليار دولار. لذا كانت الخطوة الأولى التفكير فى التمويل الذى يقول عنه الكاتب محمد حسنين هيكل فى أحد حواراته: »بدا مشروع السد العالى أكبر بكثير من طاقة الشعب المصرى، سواء فى تعقيداته التكنولوجية، أو حجم الموارد المطلوبة له، أو المدى الزمنى الذى يمكن الانتهاء منه فيه. كان المشروع يتكلف ربع الدخل القومى لمصر، لكنه إذا نفذ سوف يضيف إليها ما يساوى تكاليفه كل سنة«.
كان التمويل والتكنولوجيا إذن هما العائق أمام مصر لتنفيذ هذا المشروع الذى بات قومياً، كان الغرب يحاول أن يستغل المشروع للضغط على النظام المصرى، لقبول الانضمام إلى أحلاف عسكرية، وقبول الصلح مع إسرائيل، وهو ما رفضه جمال عبدالناصر لتبدأ المساومات حول التمويل مع البنك الدولى وكان يرأسه فى تلك الفترة يوجين بلاك، الذى رفض منح مصر خطاب ضمان، يضمن التمويل على مدار ١٢ عاماً، مكتفياً بخطاب للنوايا، وهو ما رفضه الرئيس جمال عبدالناصر لأنه لا يضمن استمرار التمويل للمشروع، كان التعجيز من جانب الغرب، وكان الإصرار من جانب المصريين.
وفى الإسكندرية، وفى ٢٦ يوليو عام ١٩٥٦، كان صوت القرار: »تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية«.. هكذا انطلق صوت عبدالناصر كالهدير، ليعلن سيطرة مصر على القناة قبل انتهاء سنوات الامتياز ١٢ سنة بعد رفض البنك الدولى تمويل المشروع لتكون موارد القناة هى البديل،
وبدأ العمل، بعد أن وقع الاختيار على موقع السد العالى، فى مكانه الحالى جنوب خزان أسوان، يفصل بينهما نحو ٦.٥ كيلو متر نظراً لضيق مجرى النيل نسبياً فى هذا الموقع، كانت الدراسات الخاصة بتصميم جسم السد، وتكوينه قد انتهت إلى أن يكون من النوع الركامى، المزود بنواة صماء من الطفلة، وستارة رأسية قاطعة للمياه، بحيث يصل منسوب قاعه ٨٥ متراً، ومنسوب قمته ١٩٦ متراً،
أما طول السد من عند القمة، فيبلغ ٣٨٣٠ متراً، فى حين يبلغ طول مجراه الرئيسى للنيل ٥٢٠ متراً، وعرض قاعدته ٩٨٠ متراً، وأخيراً فإن عرض السد عند القمة بلغ ٤٠ متراً، كان الجميع يعمل فى السد وهو يعلم أنه ليس مجرد مشروع لتوفير المياه والكهرباء، كانوا يعلمون أنه الأمل فى إثبات الذات، ولكنها لم تكن نفس النظرة لدى النوبيين سكان الأرض حول موقع بناء السد العالى،
وهو ما يعبر عنه عم خبيرى جمال ـ ٧٣ سنة ـ وأحد كبارات أهل النوبة بحديثه معى ذات يوم، قائلاً: كان البناء فى السد العالى يتم على قدم وساق دون النظر إلينا نحن البشر، كنا ندرك أنه مهم لمصر كلها، ولكنه أضرنا، وبدل حالنا، كانت حياتنا قبله تسير فى هدوء، نعيش على شاطئ النيل ونزرع أفضل الزراعات، ولا نكلف الدولة أى شىء، وفجأة بات مطلوباً منا الرحيل عن أراضينا، دون النظر إلى أى اعتبارات«.
لا يعرف عم خبيرى ذلك النوبى المسن تلقائى الحديث، أنه دائماً ما تأتى مصلحة المجموع على حساب الواحد، وأنه ما من مشروع كبير فى أى مجتمع دون ضحايا وضحايا السد لم يكونوا فى النوبة فقط، ولكنهم كانوا أيضا فى مدن القناة بعد أن بدأت إسرائيل فى التحرك صوب الأراضى المصرية، فى ٢٩ أكتوبر عام ١٩٥٦، ضمن خطتها مع إنجلترا وفرنسا لشن العدوان الثلاثى على مصر رداً على تأميم قناة السويس،
كانت الخطة محكمة تتحرك إسرائيل فى أراضى سيناء فترد مصر، فتنذر بريطانيا وفرنسا مصر بصفتها معتدية، ثم تبدآن قصف مصر فى عدوان أعمى، نتج عنه احتلال إسرائيل لسيناء وتدمير معظم مدن القناة، وبخاصة بورسعيد، ولكون الاحتلال والتخطيط له تم بعيداً عنها، تتدخل الولايات المتحدة وتصر على وقف العدوان والانسحاب الكامل من سيناء وعاد المصريون فانكبوا على مشروعهم والتخطيط له، وإلى جانب واردات قناة السويس وافق الاتحاد السوفيتى على إقراض مصر لإتمام مشروعها، قرضاً قيمته ١١٣ مليون جنيه مصرى، وبدأ العمل فى بناء السد العالى فى ٩ يناير ١٩٦٠، وتم الانتهاء من تنفيذ مرحلته الأولى فى ١٦ مايو ١٩٦٤.
كان العمل يسير على قدم وساق كأنما الجميع فى معركة مع الوقت، والمعوقات، ها هو الحلم بات وشيك التحقيق كان العاملون يرون المشروع كل يوم بعيونهم، البحيرة، التى أطلقوا عليها اسم ناصر، أمام السد العالى بطول ٥٠٠ كيلو متر، ومتوسط عرض ١٢ كيلو متراً، وبسعة تخزين ١٦٢ مليار متر مكعب من المياه، تم حساب كل صغيرة وكبيرة فى المشروع، لم يكن هناك مجال للخطأ، فإذا ما زاد منسوب المياه فى البحيرة على ١٧٨ متراً، يتم تصريفه إلى المنخفض الطبيعى، المعروف بمنخفض توشكى غرب النيل، عن طريق قناة موصلة بين بحيرة ناصر والمنخفض، يبلغ طولها ٢٢ كيلو متراً، الطريف أن المياه لم تدخل مفيض توشكى، إلا ١٥ أكتوبر ١٩٩٦، حين بلغ منسوب المياه أمام السد العالى ١٧٨.٥ متر.
فى ذات الوقت كانت عيون آلاف من النوبيين، على أرض الأجداد التى تركوها شاعرين أن تهجيرهم منها بمثابة نزع أرواحهم من الأجساد ٥٠٠٠ منزل تم إخلاؤها على وعد بالعودة مرة أخرى بعد الانتهاء من البناء الحلم والأمل، الذى حفرت له قناة لتحويل المياه على ضفة النيل الشرقية، تتكون من جزأين، قناة أمامية،
وأخرى خلفية تصل بينهما أنفاق رئيسية متوسط طول كل منها ٢٨٢ متراً، وقطرها ١٥ متراً، وتحت الجناح الأيمن للسد، وتبطينها بالخرسانة المسلحة، ويتم التحكم فيها عن طريق بوابات تعمل بواسطة رافع كهربائى، ويتفرع كل نفق إلى فرعين عند مخرجه، حيث تم تركيب توربين لتوليد الكهرباء على كل فرع، قدرة كل منها ١٧٥ كيلو وات، وبقدرة إجمالية للمحطة ٢.١ مليون كيلو وات، لتكون الطاقة الكهربية المنتجة سنوياً، ١٠ مليارات كيلو وات فى الساعة.
جاء السد رغم أوجاع البعاد التى يعانى منها النوبيون، ليؤكد أنه من المشروعات ذات العائد الاقتصادى المرتفع، حفظ نصيب مصر من مياه النيل، وزادت مساحة الرقعة الزراعية فى مصر بحوالى مليون فدان، وتم تحويل ٩٧٠ ألف فدان، من نظام الرى الحوضى إلى نظام الرى الدائم ما زاد من إنتاجية الفدان، وتحسنت الملاحة النهرية على مدار السنة، وحمى مصر من مخاطر الجفاف فى السنوات شحيحة الإيراد، كما حدث فى الفترة من عام ١٩٧٩ إلى عام ١٩٨٧، وكذلك أخطار الفيضانات العالية كما حدث عام ١٩٧٥، بقى السد وبقيت آمال النوبيين فى العودة للسكنى على النيل. آثار النوبة.. هنا أرض الملوك العظماء وعبقرية الفراعنة تستشعر فى كل شبر تسير فوقه قدماك فى بلاد الذهب آثار أقدام من سبقوك من ملوك وملكات الفراعنة على تلك البقعة ليشيدوا حضارة بلغت آفاق السماء، تاركين وراءهم آثاراً، تمنحك إحساساً بالهيبة لعظمة ما تركوه تارة، والحسرة على ما فرطنا فيه تارة أخرى.
آثار القدماء هناك لا تعبر فقط عن الحضارة المصرية التى أبهرت العالم، لكنها تحكى أيضاً قصة النوبيين ومساهمتهم فيها عبر آلاف السنين، شاهدة على عمق جذورهم فى التاريخ المصرى، حتى لتحار بأيهما تبدأ.
هذا «معبد كلابشة» المنتمى إلى قرية تحمل الاسم نفسه، وتبعد ٥٦ كيلومتراً جنوب خزان أسوان، ويعد أحد أكبر المعابد المشيدة بالحجر الرملى فى النوبة، وأكثرها اكتمالاً فى عناصرها المعمارية، على جدرانه نقوش للأسطورة الخالدة التى تحكى قصة إيزيس وأوزوريس، تتذكر وأنت ترى النقوش، تفاصيل قصة تلك الوفية، التى ما ملت بعد الغدر بزوجها، من قبل أخيه ست، من تجميع جسد الزوج، وتربية الابن حورس ليواصل مسيرة الأب.
يعود تاريخ بناء معبد كلابشة إلى عهد الإمبراطور الرومانى «أوكتافيوس أغسطس» -٣٠ ق.م، ولا يزال المعبد يحتفظ بالمرفأ الخاص به. ومعبد «بيت الوالى»، المنحوت فى الصخر على يد «ميسوى» حاكم كوش فى عهد رمسيس الثانى، ليكون هذا المعبد واحداً من ٥ معابد أخرى أمر ببنائها رمسيس الثانى فى النوبة، ويحتوى على فناء وصالة للأعمدة ومقصورة محلاة بنقوش، كما يتضمن نقوشاً للملك فى ساحة الحرب.
عليك أن تبطئ الخُطا الآن، وأنت تقف مشدوهاً أمام معبد أبوسمبل الكبير، نعم لابد أن تتمهل عند دخولك أحد أهم وأجمل آثار النوبة، فأنت فى حضرة الملك رمسيس الثانى، انظر بتروٍ إلى تماثيله، لا تسرع الخُطا، انظر إلى واجهة المعبد التى ترتفع ٣٣ متراً، وعرضها ٣٨ متراً، تحرسها تلك التماثيل الأربعة الضخمة للملك رمسيس الثانى، جالساً على عرشه، مرتدياً التاج المزدوج لمصر العليا والسفلى، وتتوسط الواجهة بوابة المعبد، الذى خُصص لعبادة الإله «رع حور آختى آمون»، إله الشمس المشرقة فى مصر القديمة.
ها هو الملك فى لوحات ضخمة تجسد معاركه التى قادها بشجاعة، أشهرها «قادش» حين طارد الحيثيين، تمتد خطواتك داخل المعبد، فتبهرك تفاصيل معماره الهندسى الفريد، والنقوش الرائعة، لتصل إلى نهايته حيث «قدس الأقداس» على عمق ٦٥ متراً، هناك تجد نفسك بين ٤ تماثيل، للإله «رع حور آختى آمون رع بتاح» والملك رمسيس الثانى.
ويظل المعبد تحفة فى تصميمه الذى يسلط الأضواء على بانيه كل عام مرتين، حين يستقبل المعبد عشاق المعجزات، لرؤية الشمس وهى تتعامد على وجه الملك رمسيس الثانى، مرة فى ذكرى جلوسه على العرش يوم ٢٢ فبراير، وأخرى فى ذكرى مولده التى توافق ٢٢ أكتوبر. ويلح عليك السؤال باحثاً عن إجابة قبل مغادرتك تلك التحفة المعمارية، أين نحن الآن ممن نعتبرهم أجدادنا؟ وأين هم منا ومما آل إليه حالنا؟
تنصرف لترى على مسافة قصيرة من المعبد من جهة اليسار، معبد أبوسمبل الصغير، الذى بناه رمسيس الثانى، لا ليخلد ذكراه، بل تعبيراً عن حبه لزوجته «نفرتارى» التى يعنى اسمها «أحلاهم» أو «أطيبهم» أو «أحسنهم»، حيث تعنى كلمة «نفر» الطيب والحسن، وكانت نفرتارى مولعة بنحت التماثيل التى تجسدها، كما كان يفعل زوجها رمسيس الثانى الذى نحت لنفسه تماثيل فى كل مكان، وقد اتخذت «نفرتارى» لنفسها العديد من الألقاب، من بينها «الأميرة الوراثية»، «الزوجة الملكية الكبرى»، و«سيدة الأرضيين»، و«ربة مصر العليا والسفلى»، كما شغلت فى ذات الوقت منصب «زوجة الإله».
ويؤكد علماء المصريات أن لقب نفرتارى الأخير كتب مرتين أمام صورتها، فى المقبرة الخاصة بها فى وادى الملكات.
لم تكن نفرتارى قوية النفوذ فى قلب زوجها وحسب، ولكن منحتها سمرتها، الجمال كله لا نصفه فقط، فسميت أيضاً «مليحة الوجه» و«الوسيمة ذات الريشتين». ويعتقد أن زواج الملك رمسيس الثانى ذى الأصول الدلتاوية فى شمال مصر بالجميلة «نفرتارى» ذات المكانة المميزة فى طيبة، جاء لرغبته فى تعضيد مركزه فى جنوب الوادى. أما أهم ما يميز معبدها رغم صغر مساحته، فهو جمال رسومه، ووضوح ألوانه، ونقوشه.
نترك الملك رمسيس وجميلته، ونشد الرحال إلى معبد إدفو، ثانى أكبر المعابد الفرعونية بعد الكرنك، ويقع على بعد نحو ١٢٠ كيلو متراً شمال مدينة أسوان، المعبد يحمل اسم مدينة إدفو، التى كان يطلق عليها فى العصور الفرعونية اسم «إدبو» أو «دبو» وتعنى «بلدة الاقتحام»، ويقال إنها كانت موقعاً للمعركة الأسطورية، التى دارت بين حورس وست، وانتصر فيها حورس الذى ظل المعبود الأول فى المدينة وكان ينسب إلى البلدة فيدعى «بحدتى».
يتميز المعبد إلى جانب ضخامته بروعة تصميمه الذى يعود إلى العصر البطلمى، واستغرق بناؤه ٢٠٠ عام ليكون مقراً لعبادة الإله «حورس» الذى تم تصويره على هيئة صقر، كما تزدان جدران المعبد بنقوش، ورسومات تصور قصة حورس، وانتقامه من عمه «ست» فى إطار الأسطورة الشهيرة، التى لا يقف تأثيرها على ذلك المعبد وحسب، ولكنه يمتد لجزيرة إيجيليكا التى صممت على شكل حمامة طافية على سطح الماء، ونقلت إليها آثار جزيرة فيلة التى حاصرتها المياه بعد بناء خزان أسوان فى عام ١٩٠٢، والغرق مرة أخرى بعد بناء السد العالى، حتى بدأ المشروع القومى لإنقاذ آثار الجزيرة، وما عليها منذ عام ١٩٧٢.
على تلك الجزيرة عاشت إيزيس وزوجها ملك الأرض، مانح البشرية المعرفة، والفنون، وكيفية زراعة الأرض، ونسج الملابس وصناعة الفخار، حتى قتله شقيقه ست ومزق جثته وفرقها بين البلدان وقامت زوجته إيزيس بتتبع رفاته وجمعها وإعادته إلى الحياة مستخدمة فى ذلك قوتها السحرية، وصارت إيزيس ملهمة الديانات فى نفوس الكثيرين وقتها، لا فى مصر القديمة وحدها، ولكن فى اليونان وروما أيضاً، واكتسبت جزيرة فيلة مكانة خاصة، فأطلق عليها البطالمة اسم «الجزيرة المقدسة»، وبنوا فيها معبداً لإيزيس فى القرن الثالث قبل الميلاد، إلى جانب عدد آخر من المعابد منها «أمنحوتب»، و«حتحور»، بالإضافة إلى عدد من الصروح والنقوش،
ورغم اعتماد المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية فى القرن الثالث الميلادى، فإن عبادة إيزيس استمرت فى جزيرة فيلة حتى عام ٥٥٠ ميلادية، لتبدأ الفترة المسيحية، وتتحول قاعة الأعمدة بمعبد إيزيس إلى مكان لممارسة الشعائر المسيحية، كما نقلت الأحجار من بعض الآثار لبناء كنائس فى الجزيرة، وعندما جاء الإسلام اعتبرت فيلة حصناً أسطورياً، ممثلاً فى إحدى قصص ألف ليلة وليلة، واكتسبت اسم «أنس الوجود» تيمنا باسم بطل إحدى هذه القصص.
لا تنس وأنت فى النوبة أن تزور آثار منطقة «الكاب» التى أخذت اسمها من اسم آلهة المدينة القديمة «نخبت»، وتصورها النقوش على هيئة طائر العقاب، وتضم عدداً من المعابد الصغيرة، والكثير من المقابر، بينها «النبلاء» و«أحمس ابن آبانا»، و«رنى» و«سيتاو».
درة آثار النوبة المتحف الذى يحمل اسمها فى قلب مدينة أسوان، وجمعت فيه آثار من جميع العصور، حلى، أسلحة، أوعية فخارية، وبرونزية، وتيجان فضية مرصعة بالأحجار الكريمة، ومصابيح برونزية، وتماثيل تعبر عن النوبيين وطريقة حياتهم، وطرز منازلهم ذات البناء المميز.
كهف ما قبل التاريخ بنقوشه الصخرية الرائعة، مئذنة على الطراز الإسلامى بشكل يتناسب مع الجبانة الفاطمية بهذه المنطقة.. ويأخذك المتحف فى رحلة عبر ٥٠٠٠ سنة من تاريخ النوبة الطويل، إلى جانب ما تحويه تلك الأرض الغنية من الديوريت، والأحجار الكريمة المتنوعة، كما يوجد به آثار من النوبة فى الحقبتين المسيحية، والإسلامية، وما يمثلهما من أيقونات، فرسكو، وأدوات وأوانٍ فخارية. وملابس،
أما النوبة فى العصر الحديث فتجدها فى المتحف ممثلة فى الحياة اليومية للنوبيين قبل التهجير، ترسمها السلال المتنوعة من سعف النخيل، وأدوات الرى، والزراعة والتعليم وغيرها من مظاهر الحياة.
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى الخمسينيات، حينما بدأ البرنامج الدولى لإنقاذ آثار النوبة من الغرق، وكانت البداية مع معبد أبوسمبل الذى تم فكه ونقله إلى مكانه الحالى، توالت بعدها عمليات إنقاذ باقى المعابد الأثرية، وقطع الآثار التى كان يعود بعضها إلى حقبة ما قبل التاريخ، وكان هناك خوف عليها من أن تغمرها المياه،
حيث تم الاحتفاظ بها فى مخازن وزارة الآثار على أن يتم إنشاء متحف لتعرض وتحكى المراحل المختلفة لتاريخ بلاد النوبة فيما بعد وليكون بمثابة نموذج مصغر لأوجه الحياة بها قبل أن تغمرها مياه النهر، وهو المشروع الذى تبنته منظمة اليونسكو من خلال حملة دولية للإسهام فى بنائه، وقد تم وضع حجرالأساس للمتحف فى عام ١٩٨٦، وتم افتتاحه فى نوفمبر ١٩٩٧.
| |
|